أشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه، وأشدها وطأة على النفس هي تلك التي تجمع بين الحربِ والحُب..
إن أسوأ ورطة نقعُ فيها هي أن يستحوذ علينا أي شيء جدًا جدًا (1)، وأسوأ خسارة تُحسَبُ علينا هي أن ينصاع أحدنا للتخلي باسم العادات والتقاليد!
لا يساورني شك أن الحُب سلطان، وسلطان الحُبِّ قاضٍ. أمرهُ للقلبِ لا يُخالَف، وحُكمه للنفوس ماضٍ، ونفاذه في الروحِ يَجري مجراها ولا يُرَد.
فلا تَعجَب إن رأيت امرأٍ يصف محبوبًا له بما ليس بمستحسنٍ عند الناس، أو يتغزَل بمفاتنَ لا تُرضى في الجمال. فهذا ليس تقصيرًا في حدسهِ ولا اختلالًا في حُسنِ الاختيار، وإنما هو الحُبُّ بعينهِ؛ وإلا فخذوا عين العاشقين لتروا بها أحبائهم!
وكما أن الحُب من نبيل الصفات، فكذلك تأتي بعض العادات والتقاليد من ذميمها ومكروهها. ولكثرة الأخذ بها في مجتمعاتنا يُستَغربُ الأخذ بغيرها
فترى من قبيح ما تعودنا عليه وقلدنا أن يُنتَقَد أحدهم حين يتقدم لخِطبة فتاة أكبر منه سِنًا، بل وربما يؤخذ عليه ذلك!
وتتفاوت الآراء ما بين مؤيد ومعارض للأمر، ليظل المرجع في قبول أو رفض هذه النوعية من الزيجات عائدًا لنوعية الثقافة التي تأثر بها الإنسان، ومحيط البيئة التي نشأ وتربى فيها.
إن فارق العمر في مهمّة البحث عن النصف الآخر لن يُشكل عائقًا في حال إن كان الحب عظيمًا، لأن السعادة لا تُقاس وفق معيار العمر.
دعني أخبرك أني منذ عامين أحببت فتاة كانت تكبرني بعام واحد ويزيد عليه من الأيام بضعها، حين وقعت في حبها عزمت على التقدم لخِطبتها.
فلما عرضت الأمر على الأقربين قبيل الحديث معها في ذلك، غلب على آرائهم الرفض وانتاب صدور بعضهم الضجر بداعِ أن الفتيات يظهر عليهن أثر السنين سريعًا، غير أن فرص إنجابهن لن تكون كبيرة.. وكأنهن ولدن في أرض الخطايا!
والحقيقة أنني لم أجد في كلامهم المنطق، ومن حينها لليوم لم أجد الحُب أيضًا متمثَلًا إلا في تلك الفتاة وفي خصالها؛ كان كل شيء من بعدها لا أراها فيه، لا أراه. غير أن الأقدار حالت بيننا وحال العهد وتغيرت الأحوال.
يقول د. مصطفى محمود في كتابهِ “في الحب والحياة”:
إن أعز ما تملك المرأة ليس هو جسدها أبدًا، أعز ما تملك المرأة هي ذات نفسها وحقيقتها وروحها.
إذن لا دخل بالعمر إن حكمنا على المرأة بمعايير القيم، ولا علاقة للسنوات بالسعادة. ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
لما أخبر الغلام ميسرة السيدة خديجة عن أخلاق رسول الله عليه الصلاة والسلام، عرضت عليه الزواج منها، فقبل الرسول صل الله عليه وسلم وتزوجها، وكان لها من العمر حينها 40 سنة وللرسول عليه الصلاة والسلام 25 سنة، وعلى الرغم من هذا الفارق العمري إلا أن السيدة خديجة استطاعت أن تكون أحب زوجاته وأقربهن إليه حتى أنه لم يتزوج عليها غيرها حتى توفاها الله.
إن السعادة تتمثل في التمسك، في اختيار شريك ناضج يتفهم طبيعة حياتك ويفهمك. دون النظر لعُمر، أو وجهٍ حسن، أو شكلٍ ولون.
والحب الحقيقي لا تقضي عليه أي محاولة للتخلي عنه.
أما الخسارة الأكبر، فهي أن يسقط الإنسان منا في فخ العادات والتقاليد ويقضي بنفسه على أحلامه، على حب له، أو يقضي على سعادة ترضيه.
باب المخالفة .. بقلم : أحمد هارون
لمتابعة المزيد يمكنكم متابعة صفحتنا على الفيسبوك مهذبون
(1) د مصطفي محمود