وتفرقا عليه … بقلم روضة صلاح
وتفرقا عليه .. بعد أن قَتَل قابيل هابيل ورُميَ إبراهيم الخليل في النار و قَذَفَ بنوا إسرائيل مريمَ بُهتاناً في عفَتِها , خرج لنا رجلٌ من منطقةٍ بدويةٍعلي أطرافها حروب دمويه يغلب عليها الجفاف من العاطفة قبل الماء حيث يدفن المرء فلذة كبده حياً ليقول لنا صلي الله عليه وسلم وللعالم أسره : ” إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ !!”
كاسراً أسوار العزلة والوحشة والهواجس التي حملها الإنسان لقرون ,وحاملك لعالم أخر كسر حدود المادة والفيزياء.
عالم تتآلف فيه الأرواح بكيمياء الإيمان ,لا كيمياء أُخرى يمكنها أن تذيقك تلك الحلاوة , حلاوة الحب في الله التي لا يمكن أن تفهمها إلا إذا خضت غمار تجربة فيها .
تلك الكلمة التي تتكرر علي الآذان منذ المهد حتي أن المرء يوهم نفسه أحياناً بها لعله…لعله يتذوق ما يحكي عنها (أحبك في الله! ).
لكن يا رفيقي دعني أصارحك فالحب في الله له معايير مهمة وصعبة الإيفاء حتي نحكم عليه ونقول أنه حب حقيقي في الله .
فإطلاق كلمة أخوين متحابين في الله لها شروط ! , نعم شروط صعبة ومفصلة في الحديث : (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ )
فالأمر منوط بالإجتماع والتفرق ,لاخلافهما .
فالإجتماع يحدث لإتمام الأمانة التي وضعها الله للبشر في الأرض بإعمارها لا لأسباب دنيوية أو شهوة زائلة ..فقط لإتمام المهمة.
– موسي كليم الله يقول فيه ربه ” وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي” حٌظوة بالغة ما وٌهبت إلا لخاصة البشر : محبة من الله وصٌنعٌ في معية الله , ورغم هذا يطلب من ربه صحبة تعينه علي أداء المهمه : “وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي” وزيراً يفهم المهمة الملقاة علي عاتقك دون ضجر أو ملل متفهما ما تتطلبه المهمة لإيفائها .
– ومن بعدهما عيسى ويحيى عليهما السلام وَلَدَي الخالة قٌدِر لهما نفس الرسالة ونفس القوم ونفس البلاء , الأول يُصٌلَبٌ شَبِيهَهٌ من قبل طاغية فيرفعه الله إليه والثاني يلحق برفيقه الأول بعد أن تٌقطَع رَأسُهُ مهراً لإمرأة بغي , فيتم الله عليهما نِعمَتَهُ ولا يجمع عليهُما شقاءً في الدنيا والأخرة ويحكي لنا رسولنا الحبيب رؤيتهما سوياً في السماءِالثانية في رحلة الإسراء والمعراج .
فالأمر شاق جدا ليس يسيرا كما نلق عبارتنا ( إني أحبك في الله ) !
معناها أن تعلم غاية حبكما والتي هي تحقيق الرسالة التي وٌجدتم لها .
يعني أن تصمدا معاً أمام ما سيواجهكم في تحقيق وظيفتكم بإعمار أرض الله دون كلل يعني أن تعطي من مالك حتي أنك لا تترك لأهلك إلا الله ورسوله كما فعل أبوبكر رضي الله عنه مع الحبيب عند تجهيز جيش العسرة .
يعني أنها كلمة ثقيله لا تٌطَلَق عبثاً أو مجاملةً في المناسبات العابرة .
يعني أن تفترقا وأنتم علي العهد الذي إجتمعتما عليه .والميثاق الذي ترددانه كل غروب شمس بورد الرابطة وإستحضار نفس المعاني الذي تبنيتماها في المرة الأولي كل ليلة , كما حافظ أبوبكر رضي الله عنه علي الأمانة بعد وفاة الحبيب بمجابهة المرتدين وإتمام أخر أوامر رفيقه بإخراج جيش الروم بقيادة أسامة بن زيد.
حينها نعلم لأننا لسنا آلات جامدة أن الحب يتبعه مسئولية و خوف ولهفة . وأنها أكبر من كوننا رفقاء بالجسد بل رفقاء بالوجدان فيشوكني ما يضره ويهز قلبي ما يسره فكما يكون الحب في الله عميقاً جدا كذلك هو الخوف فيه يكون صعباً وموجعاً يجعل من فراشك الوثير صباراً ينغص عليك إطباق جفونك كما كان الحب بين الصديق والمصطفي يُلَدغ الصديق من أفعي في الغار فيشفق أن يوقظ النبي الذي كان من متكئاً عليه بعد عناء سفر .
ولعظمة وسمو رسالة المتحابين في الله عُظِم الأجر لهما لأن يظلهم الرحمن بظله يوم لا ظل إلا ظله , في يوم مقداره خمسين ألف سنة مما نَعُد .
فقط حينها يكون تمام الحب وتمام الإئتلاف .
وتمام الخلد بجنان علي سرر متقابلين .
وتفرقا عليه .. لمتابعة المزيد من موضوعاتنا يمكنكم متابعة صفحتنا على الفيسبوك مهذبون